الثلاثاء، 2 أغسطس 2016

قصة ماشطة بنت فرعون ( صاحبة العزيمة والثبات ) قصة جميلة جداً

قصة ماشطة بنت فرعون ( صاحبة العزيمة والثبات )
( لم يحفظ التاريخ اسمها ، لكنه حفظ فعلها )
امرأة صالحة كانت تعيش هي وزوجها ، في ظل ملك فرعون ، زوجها مقرب من فرعون ، وهي خادمة ومربية لبنات فرعون ..
فمن الله عليهما بالإيمان ، فلم يلبث زوجها أن علم فرعون بإيمانه فقتله ، فلم تزل الزوجة تعمل في بيت فرعون تمشط بنات فرعون ، وتنفق على أولادها الخمسة ، تطعمهم كما تطعم الطير أفراخها ...
فبينما هي تمشط ابنة فرعون يوماً ، إذ وقع المشط من يدها ،
فقالت : بسم الله ، فقالت ابنة فرعون : الله .. أبي؟
فصاحت الماشطة بابنة فرعون : كلا ، بل الله ، ربي ، وربُّك ، وربُّ أبيك ، فتعجبت البنت أن يُعبد غير أبيها ..
ثم أخبرت أباها بذلك ، فعجب أن يوجد في قصره من يعبد غيره ..
فدعا بها .. وقال لها : من ربك ؟
قالت : ربي ، وربك الله .
فأمرها بالرجوع عن دينها ، وحبسها ، وضربها ، فلم ترجع عن دينها ، فأمر فرعون بقدر من نحاس فملئت بالزيت ، ثم أحمي ، حتى غلا ...
وأوقفها أمام القدر ، فلما رأت العذاب ، أيقنت أنما هي نفس واحدة تخرج وتلقى الله تعالى ، فعلم فرعون أن أحب الناس أولادها الخمسة ، الأيتام الذين تكدح لهم ، وتطعمهم ، فأراد أن يزيد في عذابها فأحضر الأطفال الخمسة ، تدور أعينهم ، ولا يدرون إلى أين يساقون ..
فلما رأوا أمهم تعلقوا بها يبكون ، فانكبت عليهم تقبلهم وتشمهم وتبكي ، وأخذت أصغرهم وضمته إلى صدرها ، وألقمته ثديها ...
فلما رأى فرعون هذا المنظر ، أمر بأكبرهم ، فجره الجنود ودفعوه إلى الزيت المغلي ، والغلام يصيح بأمه ويستغيث ، ويسترحم الجنود ، ويتوسل إلى فرعون ، ويحاول الفكاك والهرب ، وينادي إخوته الصغار ، ويضرب الجنود بيديه الصغيرتين ، وهم يصفعونه ويدفعونه ، وأمه تنظر إليه ، وتودّعه ..
فما هي إلا لحظات ، حتى ألقي الصغير في الزيت ، والأم تبكي وتنظر ، وإخوته يغطون أعينهم بأيديهم الصغيرة ، حتى إذا ذاب لحمه من على جسمه النحيل ، وطفحت عظامه بيضاء فوق الزيت ، نظر إليها فرعون وأمرها بالكفر بالله ، فأبت عليه ذلك ، فغضب فرعون ، وأمر بولدها الثاني ، فسحب من عند أمه وهو يبكي ويستغيث ، فما هي إلا لحظات حتى ألقي في الزيت ، وهي تنظر إليه ، حتى طفحت عظامه بيضاء واختلطت بعظام أخيه ، والأم ثابتة على دينها ، موقنة بلقاء ربها ..

ثم أمر فرعون بالولد الثالث فسحب وقرب إلى القدر المغلي ثم حمل وغيب في الزيت ، وفعل به ما فعل بأخويه..
والأم ثابتة على دينها ، فأمر فرعون أن يطرح الرابع في الزيت ..
فأقبل الجنود إليه ، وكان صغيراً قد تعلق بثوب أمه ، فلما جذبه الجنود ، بكى وانطرح على قدمي أمه ، ودموعه تجري على رجليها ، وهي تحاول أن تحمله مع أخيه ، تحاول أن تودعه وتقبله وتشمه قبل أن يفارقها ، فحالوا بينه وبينها ، وحملوه من يديه الصغيرتين ، وهو يبكي ويستغيث ، ويتوسل بكلمات غير مفهومة ، وهم لا يرحمونه ..
وما هي إلا لحظات حتى غرق في الزيت المغلي ، وغاب الجسد ، وانقطع الصوت ، وشمت الأم رائحة اللحم ، وعلت عظامه الصغيرة بيضاء فوق الزيت يفور بها ، تنظر الأم إلى عظامه ، وقد رحل عنها إلى دار أخرى ....
وهي تبكي ، وتتقطع لفراقه ، طالما ضمته إلى صدرها ، وأرضعته من ثديها ، طالما سهرت لسهره ، وبكت لبكائه ..
كم ليلة بات في حجرها ، ولعب بشعرها ، كم قربت منه ألعابه ، وألبسته ثيابه ... فجاهدت نفسها أن تتجلد وتتماسك ، فالتفتوا إليها ، وتدافعوا عليها ..
وانتزعوا الخامس الرضيع من بين يديها ، وكان قد التقم ثديها ، فلما انتزع منها ، صرخ الصغير ، وبكت المسكينة ، فلما رأى الله تعالى ذلها وانكسارها وفجيعتها بولدها ، أنطق الصبي في مهده وقال لها :
يا أماه اصبري فإنك على الحق ، ثم انقطع صوته عنها ، وغيِّب في القدر مع إخوته ، ألقي في الزيت ، وفي فمه بقايا من حليبها ، وفي يده شعرة من شعرها ، وعلى أثوابه بقية من دمعها ...
وذهب الأولاد الخمسة ، وهاهي عظامهم يلوح بها القدر ، ولحمهم يفور به الزيت ، تنظر المسكينة ، إلى هذه العظام الصغيرة ..
عظام من ؟ إنهم أولادها .. الذين طالما ملئوا عليها البيت ضحكاً وسرورا ، إنهم فلذات كبدها ، وعصارة قلبها ، الذين لما فارقوها ، كأن قلبها أخرج من صدرها ، طالما ركضوا إليها ، وارتموا بين يديها ، وضمتهم إلى صدرها ، وألبستهم ثيابهم بيدها ، ومسحت دموعهم بأصابعها ، ثم ها هم ينتزعون من بين يديها ، ويقتلون أمام ناظريها ، وتركوها وحيدة وتولوا عنها ، وعن قريب ستكون معهم ...
كانت تستطيع أن تحول بينهم وبين هذا العذاب ، بكلمة كفر تسمعها لفرعون ، لكنها علمت أن ما عند الله خير وأبقى ...
ثم .. لما لم يبق إلا هي ، أقبلوا إليها كالكلاب الضارية ، ودفعوها إلى القدر ، فلما حملوها ليقذفوها في الزيت ، نظرت إلى عظام أولادها ، فتذكرت اجتماعها معهم في الحياة ...
فالتفتت إلى فرعون وقالت : لي إليك حاجة ..
فصاح بها وقال : ما حاجتك ؟
فقالت : أن تجمع عظامي وعظام أولادي فتدفنها في قبر واحد ، ثم أغمضت عينيها ، وألقيت في القدر ، واحترق جسدها ، وطفت عظامها ،
فلله درها ، ما أعظم ثباتها ، وأكثر ثوابها ..
ولقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء شيئاً من نعيمها ، فحدّث به أصحابه وقال لهم فيما رواه البيهقي : « لما أسري بي مرت بي رائحة طيبة ، قلت : ما هذه الرائحة ؟ فقيل لي: هذه ماشطة بنت فرعون وأولادُها » ..

0 التعليقات: